بمجرد أن لمح الرئيس السيسى ما لفت نظره من "حاجات لاتخطر لنا على بال" فى إشارة واضحة لعلامات السمنة المفرطة التى بدت عليها أجساد المصريين، وهو مايبدو أنها أرقته كثيرا ودفعته لدعوة الشعب لإنقاص وزنه! وكالعادة أسرع السادة الوزراء بإلتقاط الخيط ولسان حالهم يقول "تلميحات سيادتك أوامر يافندم".
وإندفع كل منهم مؤيدا وداعما وشاحذا كل همته وطاقته لإقناع الشعب البدين هما ونكدا بخطر السمنة والفوائد الجمة للرشاقة وأهمية الأجساد الممشوقة! فنصحنا وزير النقل بالسير محطتين يوميا "فى الحقيقة لم يحدد قبل الذهاب من العمل ولابعده وإن كانت حالة الإجهاد والتعب لاتفرق بين بداية يوم الأجساد المجهدة ونهايته"! وحقيقة لا أعرف لماذا اكتفى الوزير بمجرد النصيحة ولم يفرط فى منح الحوافز المشجعة على السير، كأن يمنح الملتزمون بنصيحته تخفيضا يكون دافعا على تحمل آلام المفاصل والظهر والركب التى تعاني أجسادنا المريضة منها!
بينما كان وزير التعليم أكثر سخاء، فأضاف التربية الرياضية كمادة أساسية! حفاظا على رشاقة الطلبة، ومن المتوقع أن يحقق ذلك الإنجاز بالطبع نجاحا منقطع النظير، تماما مثل ماحققه الوزير من نجاح لمحاربة الدروس الخصوصية وتطوير التعليم وتوفير تابلت لكل طالب وإلغاء بعبع الثانوية العامة، بل إلغاء كل الإمتحانات كوسيلة تقويم، فأصبحت المدارس أقرب لفسحة جميلة لا تربية فيها ولا تعليم!
ولم يكتف بذلك بل دشن متضامنا مع وزير الصحة حملة "للقضاء على السمنة فى المدارس! ولاأعرف على من تطبق تلك الحملة بينما يعانى معظم طلاب المدارس من النحافة وضآلة الأجساد والتقزم والأنيميا!
لايهم كل ذلك بالطبع ولن يقف حائلا دون حماس الوزراء المنقطع النظير، ولن يدخر أى منهم وسعه فى المشاركة بحملة محاربة السمنة ويتبارون في إثبات تفاعلهم وجديتهم ونشاطهم لإثبات الولاء والطاعة والتأكيد على"إنه كله تمام يافندم".
كل هذا الحماس لايمنعنا بالتأكيد عن التساؤل بالتحديد عن المعايير التى ستفرضها الدولة لتحديد الوزن المثالى الذى يجب أن يكون عليه المواطن الصالح!
وماهى العقوبة التى سيتعرض لها هؤلاء البدناء المشاغبين الرافضين لإنقاص أوزانهم عكس ماتتطلبه مصلحة الدولة وأمنها القومى!
وماذا لو إكتشفنا خلية نائمة تقوم بتوزيع الطعام الدسم سرا على الفقراء والمحتاجين!
وماذا لو تحرك المحامى الشهير إياه وأقام دعوى إسقاط الجنسيةعن أصحاب الأوزان الثقيلة!
وفى المقابل ماهى الإمتيازات التى تعود على المواطنين الشرفاء الملتزمين بخطة الدولة للقضاء على السمنة!!
وماذا عن أصحاب الأجساد النحيفة بطبعها والذين لايكفون عن تناول الطعام وبكميات كبيرة فى الخفاء وخبث، معتمدين على طبيعة أجسادهم الحارقة للدهون !!
لم نستطع سوى الضحك على شر البلية، لنخفى بها تلك الحالة من الدهشة التى أصابتنا بعد إطلاق تلك الحملة. ليس عندا فى الدولة ولا استخفافا بالحملة ولاسخرية من حما س مؤيديها ولا يقينا بعدم جدواها وتوقع فشلها! ولكن لإدراكنا أن بدانة المصريين كما نعلم جميعا ليست دليلا على الثراء والتخمة والعز وإنما مؤشر يعكس الفقر والضعف والعوز.. اعتاد البسطاء أن يملأوا بطونهم بارخص الوجبات التى تسد جوعهم .. أيديهم العاجزة لاتقوى على تحمل تكاليف الأكل الصحي وموائدهم لاتعرف اللحوم والدواجن والأسماك والخضر والفاكهة إلا قليلا، بينما كانت ولوقت قريب عامرة بالمحشى والمسقعة والكشرى والبصارة، قبل أن تصبح تلك الجبات الشعبية الشهيرة هى الأخرى مكلفة ومرهقة وعصية هى الأخرى على جيوب الفقراء.
البسطاء لايملكون رفاهية حساب السعرات الحرارية ولايجرؤون على التفكير فى التردد على عيادات علاج السمنة فكلها أشياء فوق مستوى أحلامهم المتواضعة بأى أكل والسلام، يسد ألم الجوع ويوحى بالشبع!
فات على الساخرين من سمنة المصريين أن ينتبهوا لسوء الأحوال التى باتوا عليها بعدما اثقلتهم حمى الغلاء.. بينما يقتضى الواقع أن يتسابق هؤلاء لتحسين مستوى معيشة الشعب المطحون ومحاربة الغلاء والفساد ورفع مستوى الدخول وتوفير السلع باسعار مناسبة.
أما إذا أصرت الدولة على محاربة السمنة وتمسكت بحملاتها الضروس للقضاء عليها فهنا اقترح صرف "بدل ريجيم" يساعد الفقراء على تحمل نفقات الحمية الغذائية ويوفر لها الغذاء الصحى حتى ننجح فى إعادة تأهيلهم ليصبحوا من المواطنين الصالحين النحفاء.
------------------
بقلم: هالة فؤاد